تحولت المفاوضات النووية إلى أزمة وجودية تهدد استقرار نظام الولي الفقيه في إيران. ما بدأ كمسار دبلوماسي أصبح اليوم نقطة انهيار تكشف تصدعات النظام في السياسة والمجتمع والمؤسسات. النظام، الذي بنى شرعيته على خطاب العداء للغرب، يجد نفسه مضطرًا للجلوس على طاولة المفاوضات، مما يُعري تناقضاته ويعمّق انقساماته الداخلية.
منذ تأسيسه، اعتمد النظام على وصف أمريكا بـ”الشيطان الأكبر” لتعبئة أنصاره وقمع المعارضين. لكن مع تفاقم العقوبات الاقتصادية وتزايد العزلة الدولية، لم يعد أمام خامنئي خيار سوى المفاوضات التي طالما استنكرها. هذا التناقض بين الخطاب الثوري والواقع العملي أدى إلى شلل استراتيجي. القبول بالتفاوض يُعد اعترافًا بالهزيمة، بينما الرفض يُنذر بكارثة اقتصادية أو تصعيد عسكري قد يهز أركان النظام.
هذه الأزمة امتدت إلى منابر صلاة الجمعة، حيث عكست خطب الأئمة حالة القلق. في طهران، حذّر أحد الخطباء من خداع أمريكا، مستعيدًا وصف خميني لها بـ”الذئب”. في مشهد، استنكر آخر تجربة الاتفاق النووي السابق، معتبرًا أن أمريكا “مزّقت الوعود بلا خجل”. هذه التصريحات، رغم حدتها، تُظهر ارتباكًا وخوفًا من انفجار شعبي يلوح في الأفق.
في البرلمان، عبّر نواب عن غضبهم من غموض المفاوضات. أحدهم وصفها بـ”المهينة”، مؤكدًا أن النواب “لا يعرفون شيئًا عن القرارات الحقيقية”. هذا الانقطاع بين المؤسسات يكشف تفككًا داخليًا يُضعف النظام أكثر. المقاومة الإيرانية، بقيادة مريم رجوي، حذّرت من أن المفاوضات ليست سوى محاولة يائسة لإطالة عمر النظام، داعية الشعب لاستغلال هذه الأزمة لتغيير جذري.
سواء نجحت المفاوضات أو فشلت، فالنظام يواجه مأزقًا. الاتفاق سيُجبره على التنازل عن خطابه الثوري، مما يُهدد شرعيته أمام أنصاره. الفشل سيُفاقم العقوبات والغضب الشعبي، وقد يُشعل مواجهة خارجية. الشعب الإيراني، المثقل بالفقر والبطالة، يرى في هذا التخبط فرصة. تقارير “وحدات المقاومة” تُظهر غليانًا شعبيًا ينذر بانتفاضة. النظام يترنح، والشارع ينتظر لحظة الحسم.
