في جلسة عقدتها المحكمة الفدرالية في واشنطن يوم الأربعاء الماضي، اعترف أبوذر رحمتي (۴۲ عاماً)، المقاول السابق لدى هيئة الطيران الفدرالية الأمريكية (FAA)، بالتجسّس لصالح النظام الإيراني ونقل معلومات حساسة للغاية إلى طهران. ووفق لائحة الاتهام، عمل رحمتي في عهده لدى الـFAA بين عامي ۲۰۱۷ و۲۰۲۴، ما أتاح له الوصول إلى قواعد بيانات أنظمة الرادار في المطارات، ومخططات الاتصالات الراديوية، وجداول الترددات المخصصة لإدارة حركة الطيران.
أفادت وزارة العدل الأمريكية بأن رحمتي حمّل أكثر من ۱۷۵ جيجابايت من الوثائق المصنّفة على محركات تخزين محمولة، ثم سافر بها إلى إيران في أبريل ۲۰۲۲، حيث سلّمها لمسؤولين في مكتب نائب رئيس الجمهورية لشؤون العلوم والتكنولوجيا، فيما نقل معلومات إضافية إلى شقيقه في طهران ليُرسِلها بدوره إلى أجهزة المخابرات. وأضافت الوثائق أنه بدأ علاقته بالاستخبارات الإيرانية منذ ديسمبر ۲۰۱۷ عبر شخصية رفيعة في وزارة المخابرات تمركزت بدورها في مبنى سفارة طهران في واشنطن، مستغلةً الحصانة الدبلوماسية لتنسيق الاتصالات وتبادل الملفات السرية.
شبكة السفارات الاستخبارية
لم تقتصر عمليات تسلّم المعلومات على مطارات طهران أو المقرّ المركزي للمخابرات، بل استعانت طهران بشبكة سفاراتها وقنصلياتها كمراكز لوجستية لجمع ونقل البيانات. ففي تقرير “المقاومة الإيرانية” الصادر منتصف ۲۰۲۴، وُثّق أن مبنى السفارة في واشنطن ضم غرفة سرية مُجهزة بأجهزة فك تشفير وبرمجيات للتنصت على الاتصالات الرقمية، بينما استُخدمت قنصليتا طهران في لوس أنجلوس ونيويورك كمقرّات فرعية لاستقبال ملفاتٍ مشفرة محفوظة على بطاقات ذاكرة مخفية داخل حقائب ديبلوماسية.
وذكرت المقاومة أن موظفي السفارة في برلين وروما وباريس كانوا يتولّون مهام “فرز” المعلومات المرسلة من رحمتي وعناصر أخرى، ثم يمرّرونها عبر قنوات سرية إلى مقرّات الحرس الثوري في مدينة قم، مستفيدين من بنود اتفاقية فيينا التي تمنحهم حصانة كاملة من التفتيش والتوقيف. كما وثّقت الرقابة الأوروبية حالات اجتماعات سرية جرت في مقرات دبلوماسية في بروكسل وأنقرة وبغداد، حضرها ضباط مخابرات إيرانيون متنكرون في زيّ ملحقين دبلوماسيين، لتنسيق عمليات تجسّس على شبكات الاتصالات العسكرية والمدنية في بلدانهم المضيفة.
تعزيز النفوذ بالسلاح الدبلوماسي
تكشف هذه الوقائع كيف يستثمر النظام الإيراني حصانة موظفيه الدبلوماسيين في اختراق القطاعات الحيوية للدول الأخرى. فبعد اعتراف رحمتي، بات واضحاً أن طهران توظف أساليب مزدوجة: الأول استغلال الأفراد المتجنسين بعقود مدنية (كحالة رحمتي)، والثاني استخدام غطاء السفارات والقنصليات لتمرير التوجيهات وتخزين الأجهزة والأدلة.
وتحذّر “المقاومة الإيرانية” والمراكز الأمنية الغربية من أن استمرار السماح لنظام يستخدم منصّات دبلوماسية للغرض الاستخباري سيترك الباب مفتوحاً أمام تسريبات جديدة أخطر على الأمن القومي. وفي ضوء ذلك، تطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمراجعة بنود اتفاقيات فيينا، وتفعيل إجراءات رقابية فعّالة على التحركات الدبلوماسية الإيرانية، وتنسيق تبادل المعلومات الاستخبارية لمنع تكرار سيناريو رحمتي وحماية بنية الطيران المدني من الاختراق والتجسّس.
