أخبار عاجلة
الرئيسية / الجاليات / “رخصة القيادة الهولندية – مرآة لنظام عفن” بقلم: د. عاطف حمدي

“رخصة القيادة الهولندية – مرآة لنظام عفن” بقلم: د. عاطف حمدي

16 أبريل 2025
لم أكن بحاجة إلى سيارة.
كنت أركب الدراجة. أمشي على قدمي. أستخدم وسائل النقل العامة والقطارات
ليس فقط من باب المبدأ، بل لأنني كنت أفضّل قضاء وقتي بين الكتب والصحف الدولية بدلًا من الزحام.
سافرت كثيرًا بالقطار
خاصة في العطل – مع أطفالي عبر هولندا، إلى بلجيكا، إلى ألمانيا، وحتى إلى سويسرا. ساعات من الضحك، والحديث، والألعاب على متن القطار.
كانت أوقاتًا رائعة حقاً. ذكريات سترافقني وترافق أطفالي إلى الأبد.
أما سويسرا؟
الجبال المغطاة بالثلوج، البحيرات الصافية، الوديان الهادئة
بلد كصورةٍ على بطاقة بريدية – هادئ، مهيب، يكاد يكون خيالياً.
هناك، تتنفس بطريقة مختلفة.
أعمق وبكل حرية.
لكن بعد سنوات، قررت الحصول على رخصة قيادة.
ليس من أجل الترف.
ولا من أجل الوجاهة.
بل لأن الأمر ضروري أحيانًا.
وهكذا، فتحت بابًا.
بابًا إلى عالمٍ موازٍ.
عالم لا تعتمد فيه على مهارتك، بل على مدى قدرتك على الدفع.
عالم مليء بمدارس القيادة، والمعلمين، والممتحنين – لا يهتمون بك، بل بأرباحهم.
.”بيتر” ظنّ أنني مغترب ثري
لم ينظر إلى قدرتي على القيادة، بل إلى محفظتي.
وعندما سألته عن مدى تقدّمي في التدريب، أصبحت أنا المشكلة ….
ومن هنا بدأت رحلتي إلى “ميميت”، “حسن”، “روي”، و”كريس” أسماء مختلفة. لكن الطينة واحدة.
نفس اللعبة.
قلة أدب.
انعدام كفاءة.
نصب واحتيال.
أناس بلا أخلاق، بلا مهنية.
يبيعون الأحلام… ويقدّمون الكوابيس.
أنا عالم في السياسة.
أنظر لما هو أبعد من الأشخاص.
أنظر إلى النظام. والنظام هنا فاسد حتى النخاع.
أنشأت مؤسسة “سي بي إر” مع مافيا مدارس القيادة نموذجًا تجاريًا منحرفًا للقيام بخدمة عامة.
نموذج يكافئ الفشل.
نموذجًا يقول: خذ 80 درسًا. أو 100
ولا تذهب لاختبارٍ واحد – بل لثلاثة أو خمسة.
لا بأس، طالما أنك تدفع.
طالما أنك تأمل، وهم يواصلون الابتزاز.
والأدهى؟
لا أحد يسأل.
لا أحد يندهش عندما يدفع شخص 3000 أو 4000 أو حتى 5000 يورو للحصول على رخصة قيادة.
هذا يسمونه في هولندا “طبيعيًا”.
نعم – ما هي آلاف اليوروهات وسنوات ٌ من عمرك… مقابل ورقة قد تسمح لك بالقيادة؟
في الماضي – وهذا ليس حنين للماضي – كان الناس يحصلون على الرخصة بعد 15 أو 20 درسًا.
بعضهم حتى بعد 10 دروس بناءا علي نصيحة معلم القيادة.
أما اليوم؟
فهي معركة.
ماراثون ينهك جيبك، ووقتك، وثقتك بنفسك.
يستنزفونك.
حتى تتوقف عن طرح الأسئلة.
حتى تبدأ في الظن أن الخطأ فيك.
لكنه ليس فيك.
الخطأ في نظامٍ بُني على الشك، وسوء الإدارة، والجشع والإستغلال.
نظام بلا رقابة، بلا أخلاق، بلا إنسانية.
في النهاية، حصلت على رخصتي من الخارج.
ببساطة. بشفافية. بسعر معقول جدا.
سقت بها دون مشاكل في هولندا وألمانيا.
حتى اضطررت لمواجهة البيروقراطية الهولندية من جديد.
وهنا التقيت بـأشباه “بيتر” و “ميميت” و “حسن” مرة اخري و
الكارتيل الذي يدير امتحانات القيادة كما لو كانت شبكة إجرامية.
في هذه الأثناء أصبح ممتحني “سي بي إر” ومعلمي القيادة أصدقاء حميمين, مما أدي إلي إزدياد هذه الشبكة الإجرامية قسوة وغموضا.
يعرفون جيدًا من يُـمرّرون، ومن يـستنزفونه حتى آخر قطرة.
قصتي ليست استثناء. أسمعها كثيرًا..
من نساء شابات. من هولنديين جدد.
من أناسٍ مستضعفين خطيئتهم انهم يثقون.
وهذه الثقة هي الوقود لنظام لا علاقة له بالتعلم، بل بالاستغلال.
أما هولندا؟
فصامتة.
لأننا أصبحنا بارعين في رمي المسؤولية على الآخرين.
في توجيه غضبنا لِمَن لا ذنب له.
للمهاجر. للاجئ. لـ”الآخر”.
لكننا لا نوجّه الغضب أبدًا نحو جوهر مؤسساتنا الفاسدة.
أعلم أن روايتي مزعجة…
أنا لست سياسيًا. لا أتملّق
أنا عالم سياسة.
شاهد.
محلل.
مواطن يرفض الصمت.
لست هنا للشكوى.
أنا هنا لكشف الحقيقة.
لأن وراء كل قصة شخصية، هناك نظام.
وإذا كان هذا النظام يفشل مرارًا وتكرارًا،
فقد آن الأوان لنزع غطاء بلاعة المجاري.
لا لنستنشقها.
بل لننظفها.
إذا قبلنا بهذا – فماذا بعد سنقبل؟
المرض الحقيقي ليس البيروقراطية
بل اللامبالاة يا هولنديين!
عاطف حمدي، ماجستير علوم سياسية
عالم سياسة وناشط مدني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *