أخبار عاجلة
الرئيسية / عاجل / فريقا الممانعة والانطباح: هدف واحد بوسائل مختلفة … بقلم محمود خالد المسافر

فريقا الممانعة والانطباح: هدف واحد بوسائل مختلفة … بقلم محمود خالد المسافر

كتب لي احد الاصدقاء قبل ايام يقول لماذا لا ترتفعون فوق الأحقاد، فأنتم، ويقصد “البعث”، (وانا هنا لست ممثلا للبعث ولكنني أؤمن بمبادئه) وإيران وحدكم في الساحة ممن عملتم وتعملون على التصدي للكيان الصهيوني وإيقاف تمدده ونفوذه السياسي والاقتصادي فضلا عن إنهاء احتلاله لفلسطين. قلت له لقد حاول الخميني وملاليه منذ عام 1979 ان يبيعوا لنا بضاعتهم الفاسدة ولم نشتريها، كما اشتراها ويشتريها بعض المغفلين والانتهازيين.

خذوا مثلا، لقد فتحت حكومة العراق للخميني في عام 1981 الطريق الى فلسطين، بعد أن قال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إذا أردتم الذهاب الى فلسطين فاتركوا شعاركم الخائب “من كربلاء الى القدس”، واذهبوا مباشرة اليها مرورا بأرض العراق الطاهرة وسنقدم لقواتكم كل الدعم اللوجستي من أجل انجاح مهمتكم في تحرير فلسطين اذا كنتم صادقين. ولأن الخميني كان كاذبا وان نواياه كانت سيئة فإنه لم يأخذ بالمبادرة. وبدلا من الرد الإيجابي على مبادرة سياسية ذكية وفي وقتها الصحيح حينما بدأت الحرب العراقية – الايرانية تشتد اوارها، فإن الخميني رد بالنار بدلا من الكلمات، فقد صبت مدفعيته وسلاح طيرانه جام حقدهما على المدن العراقية في ذلك الوقت وبعد خطاب الرئيس العراقي مباشرة.

نعم أنها بضاعة فاسدة تلك التي يروج لها إيرانيو الخامنئي اليوم، اكاذيب وتهريج ومساومات سياسية لا ترتكز على مبادئ وقيم أخلاقية سوية. يتصدى نوابه في لبنان للكيان الصهيوني ولكنهم يسرقون الشعب ويزرعون المخدرات ويغيبون المعارضين في لبنان ويقتلون ابناء عمومتهم السوريين والعراقيين وهم يصيحون كلا كلا امريكا. وكذا تفعل كل الادوات الايرانية. اي سفه اخلاقي هذا؟ عن اية مبادئ يتحدثون؟.

واليكم دليل اخر: لقد وضعت الحرب العراقية – الإيرانية أوزارها بشرب الخميني لكأس السم واستجابته لقرار مجلس الأمن 598 في 20 يوليو/ تموز 1987، فتوقفت الحرب نهائيا في الثامن من آب الاغر من عام 1988، بعدها أطلقت الحكومة العراقية في عام 1989 مبادرة جديدة من اجل تصفية الخصومة التي امتدت لعشرة اعوام، مكبدة البلدين خسائر عظيمة قدرت باربعمائة مليار دولار، وراح ضحيتها نحو مليون شخص. وأسوأ تلك الخسائر هي أن الحرب أخرت البلدين عقودا من الزمن عن اللحاق بركب التنمية لدول المنطقة بعد ان كان البلدان في السبعينيات من القرن العشرين يحققان طفرات نوعية في قطاع البنى التحتية وقطاعات التعليم والصحة والصناعة والزراعة والاستخراج والتعدين، وغيرها من القطاعات الاقتصادية القائدة والمحركة لعملية التنمية. جاءت المبادرة العراقية استجابة لرغبة حقيقية من الحكومة العراقية في تجاوز تلك الصفحة الدموية في العلاقات بين البلدين وبناءا على إدراك عميق من قبل قيادة العراق آنذاك على أهمية أن تخصص الثروات العراقية باتجاه إعادة البناء لا سيما في المدن الحدودية التي طالتها الحرب، وإعادة عجلة التنمية في العراق إلى مسارها الصحيح. فضلا عن أن القيادة آنذاك كانت تعرف يقينا وتؤمن أن الصراع الحقيقي ليس مع الجيران مهما كبُر شرهم وتعاظم ايذاؤهم، وانما مع الصهيونية العالمية التي تسخر بعض الجيران احيانا لإلهاء العراق عن الوصول إلى مرحلة “الحصانة الكاملة” وهي مرحلة الردع التي تجبر اعداء الامة والعراق على التفكير الف مرة قبل اتخاذ أية خطوة يمكن ان تسيء للعراق والأمة العربية وتاريخهما وحاضرهما ومستقبلهما بتفصيلاتها الكثيرة. اطلق العراق مبادرة “تصفية الخصومة” وقبلتها حكومة ايران وداء خبثها لم يوأد بعد، وبيّت الملالي للعراقيين خبثا ليس اقل من خبثهم الاول وبدأت صفحة جديدة من النفاق السياسي والتآمري. وكانت واحدة من اخطر حلقاتها الاخلاقية عندما عرضت القيادة الايرانية على الحكومة العراقية تسليم قيادة واعضاء مجاهدي خلق المتواجدين في العراق مقابل تسليم ايران لقيادات ما تسمى بالمعارضة العراقية المتواجدة في ايران وتحديدا المجلس الاسلامي الاعلى وبعض قيادات حزب الدعوة بفروعه الثلاث فضلا عما كان يطلق عليه بفيلق بدر. رفضت الحكومة العراقية ولدواعي مبدئية واخلاقية العرض الايراني ولكنها استمرت في ابداء النوايا الحسنة التي كان اهم نتائجها البدء بحملة اطلاق سراح الاسرى الايرانيين والعراقيين والتي انتهت باطلاق سراح جميع الاسرى الايرانيين في العراق وعددهم خمسة واربعين الفا، بينما احتفظت ايران باعداد كبيرة من الاسرى الذين لم تعلن عنهم او غير المسجلين لدى منظمة الصليب الاحمر الدولية ليتم اطلاق سراح بعضهم عقب العدوان الاميركي في التاسع عشر من آذار/ مارس من عام 2003 والذي انتهى باحتلال العراق. ويؤكد عدد من سياسي مرحلة ما بعد العدوان الاميركي المشاركين في العملية السياسية ان ايران لا زالت تحتفظ باعداد كبيرة من الاسرى العراقيين فضلا عن ضباط وطيارين وعلماء كانت اجهزة ايران القمعية قد اختطفتهم من العراق لا سيما في السنوات الاولى من الاحتلال. ويكفي لمن يريد الاستزادة عن افعال حكام ايران غير الانسانية وغير الاسلامية وغير الاخلاقية ان يعود ليقرأ بدل المرة الفا كتاب “في قصور آيات الله” لكاتبه شيخ الاسرى العراقيين في سجون الاسر الايرانية السياسي والاعلامي العراقي الكبير نزار فاضل السامرائي. عشرات الاف من الاسرى العراقيين الذين لا زالوا احياءا بيننا يحكون لنا تاريخ حكومة ايران المجرمة والخبيثة والفاسدة. وافسد ما فيها افتراق افعالها عن مبادئها التي تصرح بها.

ان قائمة الخيانات ونكث الوعود من قبل الحكومة الايرانية طويلة لم تبدأ عند سرقة الامانة التي استودعها العراق لدى ايران اثناء العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 وهي مجموعة الطائرات العسكرية والمدنية التي ارسلها العراق الى ايران بعد مباحثات سريعة بين البلدين من اجل حمايتها من القصف الاميركي المتوقع بعد ان رفضت الدول العربية استقبالها. ولاتقتصر هذه السلسلة المتواصلة من الافعال الخيانية على فعلها الدنيء عندما دفعها حقدها الاعمى الى المشاركة مع الموساد “الاسرائيلي” والجهات العدوة للعراق في تصفية وقتل العلماء والطيارين والضباط والمهندسين واصحاب المهن والاطباء واساتذة الجامعات وخطباء المساجد من اجل افراغ العراق من محتواه العقلي والعلمي والقيمي، ويستطيع القارئ الرجوع الى عدد من تصريحات السياسيين العراقيين المشاركين في العملية السياسية الامريكية والذين يؤكدون مشاركة الحرس الثوري وفيلق بدر وفصائل حزب الدعوة المسلحة في قتل خيرة ابناء الشعب العراقي منذ اليوم الاول من الاحتلال الاميركي، وهي مستمرة وحتى وقت كتابة هذه السطور. ولكن الأهم هنا ان ايران لعبت دورا خبيثا في مساعدة اميركا في احتلال العراق وهذا ما اعترف به كل من علي ابطحي نائب الرئيس الايراني الاسبق محمد خاتمي، واحمدي نجاد الرئيس الايراني الاسبق وفي مناسبات انتهازية مختلفة. ولكن ومن وجهة نظري المتواضعة ان ابشع ما قامت به الحكومة الايرانية تجاه العراق هو فعلها الخسيس المتعمد والمخطط له في دفع جزء من الشعب العراقي في محافظات معينة وتحديدا بغداد وبابل وديالى والانبار وصلاح الدين والتأميم ونينوى والبصرة الى الشعور بالمظلومية الشديدة من خلال العنف الشديد المستخدم ضد ابنائها وتهجيرهم وتشريدهم داخل وخارج العراق وتمكين نوع من السياسيين من ابناء تلك المحافظات اقل ما يقال فيهم انهم انتهازيون فاسدون وجبناء، حتى يصل ابناء هذا المحافظات الى مرحلة عميقة من الاحباط، عندها ينبري بعض سياسيي الغفلة من المتصدرين للمشهد السياسي في هذا المحافظات ليصرحوا بضرورة الحصول على حق إقامة الإقليم المنصوص عليه في الدستور المسخ الذي كتبه القانوني الاميركي “نوح فيلدمان” وتم تمريره على الناس في مسرحية مهلهلة تشبه مسرحية الإتفاقية الأمنية مع القوات المحتلة. فيرفض الطرف او الاطراف الشريكة في العملية السياسية الخبيثة اعطائهم هذا الحق الدستوري فيلجأ هؤلاء السياسيين الى الادوات الخارجية ومنها الصهيونية العالمية من اجل دعمهم في الحصول على حق إقامة الإقليم.

يعتقد البعض ان مشهد التطبيع الذي تصدره سياسيوا بعض تلك المحافظات المتضررة مشهدا واضحا تعبيرا عن استغاثة اهلنا في المحافظات التي ابتلتها ايران واميركا بالارهاب لانهاء عمليات المقاومة!. لكن الحقيقة غير ذلك، ان من يقود هذا المشهد من وراء الكواليس وجهز له وخطط هي الادوات الايرانية في العراق. ومرة اخرى اقول وبصراحة لم تكن الادوات الصهيونية العالمية لتجرؤ على اقامة مؤتمر للمحافظات المتضررة لولا الفعل العدواني والتخريبي الايراني المستمر لمدة ثماني عشرة سنة. ان توافق نتائج الفعل الايراني مع الهدف الصهيوني يجعل من المستحيل ان نعتقد بعدم وجود التنسيق المسبق بينهما او على الاقل لا يمكن ان نستبعد مبدأ التخادم السياسي الكبير في العراق بين الصهيونية العالمية وادواتها من جهة وبين حكومة الملالي في ايران وادواتها من جهة اخرى. وما حدث في اربيل قبل ايام ما هو الا فقاعة اختبار وقياس صهيونية تصدّر مشهدها سياسيوا الغفلة في المحافظات العراقية التي تم تخريبها فيما يقف في الكواليس المخططين والمنفذين وهم ممثلوا حكومة ملالي ايران في العراق. ولن يتوقف المشهد على هذا الحد، لان البلدان العربية الاخرى، تحديدا سوريا ولبنان واليمن التي عانت من امتداد نفوذ الحكومة الايرانية تمر بنفس مرحلة الاختيار بين ان تكون تحت رحمة الحرس الثوري الايراني او ان تكون مع الصهيونية!.

ان دور الحرس الثوري في سوريا والعراق ولبنان واليمن، تؤازره وتنفذ مهماته ميليشيات الاسد وحزب الله وعصائب اهل “الحق” وثأر الله ومنظمة بدر وانصار الله وغيرها كثير مما تفرخه الالة الدعوية الايرانية الفاسدة يوميا، لا يقتصر على تنفيذ الاهداف الايرانية الواضحة اقتصاديا وسياسيا من اجل دعم مشروعها الجنوني في اقامة امبراطورية صفوية جديدة، بل يتعداه الى تمكين الصهيونية العالمية من المنطقة وشعبها العربي الواحد الرافض للوجود الصهيوني على ارضها في فلسطين والرافض للتطبيع مع الكيان الغاصب الذي لا يختلف ابدا عن الاحتلال الايراني للارض العربية في الاحواز العزيزة.

ان استعجال الادوات الصهيونية في العراق تخدمها الادوات الايرانية في طرح مشروع الانبطاح في مؤتمر اربيل قبل الانتخابات المزمع اقامتها في اكتوبر القادم لهو دليل ناصع على عدم جدوى الانتخابات التي لن تاتي لهم بما يريدون على المستويين الصفوي والصهيوني، وان الصهيونية كما الصفوية تخاف ان يتطور الغضب الشعبي في العراق الذي نجحت بوادره في انتفاضة تشرين الاصيلة في اعادة اللحمة الوطنية وكسر حاجز الطائفية، الذي رسمت اساساته الادوات الصهيونية ونفذته ادوات الحقد الصفوية، الى مرحلة من الوعي الجمعي العراقي الذي سيقلب الطاولة على المحتلين جميعهم. كما ان تطور الغضب الشعبي في العراق ضد ايران وادواتها المحلية يسد الطريق على سياسيي الغفلة في العملية السياسية الامريكية بطرح بدائل اقل ما يمكن وصفها بالتآمرية ليس على وحدة العراق وشعبه حاضرا فحسب وانما لرهن مستقبله وثرواته للصهيونية العالمية التي تعلم جليا ان شعب العراق عصي دائما عن الترويض.

ان اكتوبر قادم وان ثورة العراق لا بد منتصرة وسيجتمع الاحبة المخلصون في ساحة الاحتفالات الكبرى قريبا ليرددوا انشودة الحرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *