صلاح المختار
في ضوء ما تقدم ما المطلوب من العرب كافة ؟ علينا ان ننظر للجانب الاخر لما حدث في فلسطين فليس صحيحا في المعايير الستراتيجية الاكتفاء برؤية المشهد الحالي امامنا بل تفرض الضرورة القصوى ان ننظر لما وراءه وما سيعقبه، فالمستقبل اهم من الحاضر ومن دون نظرة للأتي سنكون كمن يركب زورقا تجرفه مياه عاتية ويفرح لانه تجاوز عقبة واحدة ولم ينتظر اكمال مصارعته لبقية لامواج ، فما الذي تخفيه احداث فلسطين التي قدمنا وجهها المشرق وعلينا ان نكشف وجهها المقلق ؟الخطر الاعظم الان هو ان نغرق في فرحة الانتصار على اسرائيل الغربية والكشف الكامل عن عيوبها البنوية مقابل ذلك وبعكسه ظهرت اللحمة الفلسطينية في اقوى حالاتها فانتصرت فلسطين رغم كل القهر والتعذيب المبرمجان، ولكن ما يخبأ هو الاخطر فقد نجد انفسنا وقد ساعدنا على تسليم ما تبقى من فلسطين لاسرائيل الشرقية فيتكامل تطبيق وعد بلفور بتفريس جزء من فلسطين بعد صهينة اكثر من 80% منها وهو ما سيسهل صهينة وتفريس بقية الاقطار العربية مادام المخطط في جوهره يستهدف انهاء القومية العربية.
ولكي نزيح الغشاوة عن اعين من لم يرى النتائج البعيدة لحرب تموز في لبنان فلابد من اعادة التأكيد انها كانت حربا مخططة سلفا ومسيطر عليها هدفها قلب التوازنات الاقليمية والعربية لصالح اسرائيل الشرقية من اجل تنفيذ المطامع التاريخية للفرس في الوطن العربي وغزوه، وبذلك تنفذ الهدف الاهم لها ولشريكيها امريكا واسرائيل الغربية وهو تدمير الاقطار العربية وشرذمتها كي تحيّد الطاقات العربية لفترة لاتقل عن ربع قرن وهي الفترة اللازمة لاكمال بناء القوة الصهيونية، وكي تزيل امريكا المقاومة العراقية التي هزمتها .
لذلك كان خيار تسليم العراق لاسرائيل الشرقية والسماح بنمو قوة حزب الله في لبنان وخارجه واستيلاء الحوثيين على مركز اليمن ونهوض كل خلايا الفرس في الوطن العربي هو الخيار الستراتيجي المجاني بالنسبة لامريكا واسرائيل الغربية الذي يراد به ايصالهما للسيطرة على وطن عربي مشرذم ثم تتم عملية تقاسمه .مقابل هذ المكسب الستراتيجي الامريكي الصهيوني من الطبيعي تحمل تضحيات محدودة من قبلهما لاتقاس بالنتيجة الستراتيجية العظيمة المتحققة من الاعتماد على اسرائيل الشرقية ونغولها العرب ، فكانت حرب تموز 2006 في لبنان الخطوة الاهم في مسلسل تأهيل حزب الله وبالتالي اسرائيل الشرقية لتصدر ما سمي بمعسكر المقاومة والتحاق الاف العرب بهذا المعسكر لانه (نجح في تحقيق مكاسب مرحلية على حساب اسرائيل الغربية،وزيادة عدم الثقة بالانظمة العربية وبالحركات الثورية العربية لانها فشلت في تحقيق ما نجح فيه حزب الله) كما تدعي الدعاية الايرانية والصهيونية والغربية معا !
وتلك الفكرة هي التي تجيب على سؤال معقد وهو : لم سمحت امريكا واسرائيل الغربية بتعاظم قوة حزب الله وسيطرته على لبنان وتحييده حتى للقوى اللبنانية التي حسبت على الغرب تاريخيا؟ السبب الجوهري هو ان حزب الله ضمن تحييد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وابعدهما عن جنوب لبنان وساهم في تحقق الانتصار على العدو الصهيوني في عام 2000 ،وهو ما مكنه من الحصول على دعم كثير من العرب ودفعهم للاقتناع بان اسرائيل الشرقية اكثر صدقا في محاربة اسرائيل الغربية من الانظمة والجماهير العربية.فماذا كانت النتيجة الميدانية؟ اصبح حزب الله هو الحكومة الواقعية في لبنان فدمره شر تدمير وحوله الى قاعدة عسكرية ايرانية علنا ، وبدلا من ذلك اخذ يوجه سلاحه الذي ما حصل عليه الا تحت غطاء محاربة اسرائيل الغربية لصدور اللبنانيين منذ صيف عام 2008 ثم لصدور العراقيين والسوريين وغيرهم ، وراينا الحوثي يكتسب قوة معنوية بفضل حرب تموز، واستكلبت الميليشيات الصفوية في العراق ووصلت معنويات نغول الفرس للسماء بفضل ما سمي بانتصار حزب الله على اسرائيل الغربية! وكانت حصيلة حرب تموز الحاق اذى خطير بالمقاومة العراقية والتي كانت في عام 2006 تضيق الخناق على امريكا وتجبرها على القتال وهو قتال كانت فيه المقاومة هي التي تنتصر وكانت امريكا هي التي تهزم وكان خيار الانسحاب من العراق قد طرح بعد معركة الفلوجة الاولى.
وكل ذلك خلق لامريكا (عقدة العراق) وهي اخطر من (عقدة فيتنام)، لذلك كان من نتائج حرب تموز سلب الكثير من بريق المقاومة العراقية وتسليطه على حزب الله وكل من يدعمه، وهكذا صار حسن نصر يلقب ب( سيد المقاومة ) مع ان سيد المقاومة هي المقاومة العراقية بكافة فصائلها، وكانت المخابرات الايرانية تروج فكرة ان حزب الله وايران هما من يقود المعركة ضد امريكا والكيان الصهيوني وليس حركة التحرر العربية ولا المقاومة العراقية!وتلك الدعاية كانت تكفي لاسقاط اي اعترض على تبعية حزب الله لاسرائيل الشرقية بل ولروية الاخيرة بمظهر الداعم للمقاومة وتجنب رؤيتها بصفتها الغازي للاحواز ثم للعراق وسوريا واليمن ولبنان ! ولم تدرك كثير من الجهات العربية خطورة ما جرى وهو قلب التوازنات العربية والاقليمية كلها لصالح اسرائيل الشرقية رغم انها تحتل اقطارا عربية وترتكب جرائم ابادة جماعية اكبر واخطر من مجازر الصهاينة.ولكن وبتحقق ما سمي انتصار حزب الله على اسرائيل الغربية انتهت مرحلة تسويق قرون الشيطان على انها خناجر المقاومة وظهرت علنا في حارات العراق وسوريا واليمن ولبنان ومدنها خناجر تبيد العرب بالالاف ،واكد عبد الشيطان حسن نصرالله ان واجبه هو (اطاعة حسين العصر وامام المسلمين علي خامنئي وتسخير سلاحه لخدمة جمهورية ايران الاسلامية) .
فهل يوجد انقلاب معنوي ونفسي اخطر من هذا ترتب على حرب تموز وادى الى قلب التوازنات الخطيرة لصالح اسرائيل الشرقية بدل ان تبقى عيون العرب مركزة على مقاومة العراق وحركة التحرر العربية التي كانت تقود معركة الامة العربية كلها في العراق ، مادام الانتصار فيه سيؤدي الى سقوط قلاع الغرب والصهيونية؟ هل الثمن الذي قدمته اسرائيل الغربية وهو انتصار مجاني تقريبا لحزب الله يستحق تعرضها لانكسار معنوي مؤقت وخسائر مادية وبشرية محدودة؟ الجواب نعم، ومرة اخرى نكرر على كل مثقف عربي ان لايقع في فخ اسقاط طريقة تفكيرنا على الصهاينة والامريكيين والفرس فهؤلاء لديهم طريقة مختلفة جوهريا عن طريقتنا وهي ان الغرب الاستعماري يخطط لعقود،واليهود والفرس يخططون لقرون ولا يغيرون خططهم واذا تعرضوا لهزيمة يغيرون الاساليب فقط، اضافة الى انهم يقدمون تضحيات احيانا غالية من اجل الخداع والتضليل وصولا لاهدافهم الستراتيجية، فالذي نسف الكنيس اليهودي في العراق بعد اعلان قيام اسرائيل الغربية ورفض يهود العراق الهجرة اليها وتمسكهم بعراقيتهم هو المنظمات الصهيونية كما اثبتت تحقيقات الامن العراقي من اجل اجبارهم على الهجرة الى فلسطين.
وحتى هتلر ذهل حينما عرضت عليه الحركة الصهيونية في المانيا تقديم مليارات الدولارات لتمويل مشاريع عسكرية وعلمية لم يكن يملك المال الكافي لتنفيذها فقدمت له المال المطلوب وعندما سأل الوفد الذي قابله: وماذا تريدون مقابل ذلك؟ اجاب الوفد الصهيوني بكل برود : نرد منك اضطهاد اليهود في المانيا لاننا نريدهم ان يهاجروا الى فلسطين كي نحكم قبضتنا عليها ! وفعلا بدأ ما سمي فيما بعد (الهولوكوست) ضد اليهود ، فالهدف الاعظم للصهيونية هو اقامة اسرائيل ثم تعزيز قوتها حتى لو تطلب ذلك اضطهاد اليهود .هذه الطريقة في التفكير لانعرفها نحن، ولذلك فاكثرنا يصعب عليه تصديق ان لاسرائيل الغربية مصلحة في انتصار حزب الله في حرب تموز لانها تعرف ان الخطوة التالية بعد تأهيله هي توجه كل اسلحتة لصدور العرب وذلك هو الهدف الستراتيجي الاهم لها.والسؤال الواجب الطرح الان كي نمنع تكرار اعادة نفس ما قام به حزب الله وبدعم غربي وصهيوني في فلسطين ثم في الوطن العربي :أذا كانت حرب تموز قد ادت لكل تلك النتائج الكارثية على العرب فكيف ستكون نتائج دحر الكيان الصهيوني في الحرب الاخيرة على فلسطين؟
قبل كل شيء يجب ان نوضح حقيقة ثابتة وهي اننا حينما نتحدث عن حماس لانقصد قواعدها ولا كل قيادتها فمن يضحي بنفسه لايمكن الا ان يكون وطنيا، بل نقصد قيادات منها هي التي تعمل من اجل اهداف غير التي تعلن عنها ولذلك تضلل القواعد واغلب الكوادر بمواقف تغطي الحقيقة. لقد وقفنا بقوة مع الانتصار الفلسطيني رغم اننا نعرف ان قيادات في حماس تابعة لايديولوجيا اسلاموية تعادي امتنا العربية وهويتنا القومية تحت غطاء اسلاموية اممية.ومثلما اطلت قرون عبدالشيطان حسن نصر الله نرى الان قرونه نابتة فوق رأس اسماعيل هنية ومن معه .والغريب ان نفس السيناريو اللبناني ينفذ ونرى خالد مشعل يؤكد بان تلك الخناجر اعدت لمواجهة العدو الصهيوني ولن تضر بالعرب ، واننا اضطررنا لاخذ المال والسلاح من ايران ولكننا نبقى مستقلين عنها ، انه نفس منطق عبد الشيطان حسن نصر الله قبل عام 2008،وخالد المتساذج هدفه التضليل كي يبقى العرب ينظرون لقرون الشيطان على انها خناجرنا المعدة لمحاربة الصهيونية.
ان ما حدث في غزة مؤخرا هو السيناريو الجديد المعد لنا ليكون بداية خطة اخرى مشابهة لعملية تأهيل حزب الله وهي تأهيل حماس والجهاد الاسلامي كي تلعبا نفس دور حزب الله في تغيير موازين القوى مرة اخرى لصالح اسرائيل الشرقية بعد ان انهارت في العراق ولبنان بخسارة ماسمي ب(الحاضنة الشيعية) لها، واذا تحقق ذلك فانها خطوة مكملة للخطوات السابقة على طريق تقسيم الاقطار العربية وانهاء الامة العربية كلها.السيناريو يظهر واضحا من خلال معركة تدوم 11 يوما وسط تركيز اعلامي غربي -صهيوني -ايراني على ابراز حماس اولا والجهاد الاسلامي ثانيا دون غيرهما رغم ان من قاتل في غزة هي كل المنظمات الفلسطينية والتي قدمت شهداء وجرحى، فتم الايحاء بان معركة غزة الاخيرة ما هي الا معركة حماس والجهاد وان الفضل في الانتصار فيهما لمقاتليهما حصرا ،فهل كان ذلك صدفة او خطأ ام انه كان تجميلا لصورتهما وحدهما تمهيدا لدور خطير ستقومان به لاحقا؟وماذا سيترتب على تمجيد حماس والجهاد الاسلامي و تقزيم بقية فصائل المقاومة الفلسطينية ؟
اتجهت انظار كل العرب في فلسطين وغيرها الى حماس وتراجعت العيون عن كافة المقاتلين الاخرين بل ان الاعلام والبيانات الرسمية الصهيونية والامريكية تعمدت امتداح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في تصرف لايمكن تفسيره الا على انه محاولة لجعل حماس هي القوة الطاغية في كل فلسطين ثم تكتسب نفس الشعبية التي حصل عليها حزب الله في الوطن العربي، وهكذا تتأهل حماس للسيطرة على الضفة الغربية بعد غزة وهو شرط مسبق للعبها دورا عربيا مماثلا لدور حزب الله بعد ان كشفت عمالته لاسرائيل الشرقية وفقد بريقه العربي فظهرت الحاجة لتنظيمات اخرى تواصل دور الحادلة التي تدمر ما تبقى من الاقطار العربية.
فهل يجب علينا ان نقف مراقبين فقط ونحن نرى الفصل الاخطر في تصفية امتنا العربية كلها وليس فلسطين فقط وهذه المرة على يد حماس ومن معها؟ هل يمكن لاي واع ولو بالحد الادنى الا ان يفهم مغزى اعلان اسماعيل هنية (ان قاسم سليماني هو شهيد القدس) ويكررها ثلاثة مرات بوقاحة وجه ليس فيه مسحة وطنية ولا انسانية ، لانه يعرف كل المعرفة بان سليماني هو قاتل ملايين العراقيين والسوريين واليمنيين والاحوازيين ومهجر اكثر من 15 مليون سوري وعراقي من وطنهم؟ الذي يجب ان نؤكده كي نرى الصورة بكامل تفاصيلها هو ان اسماعيل هنية وامثاله يعملون موضوعيا وبغض النظر عن النوايا على منع الخراب الاسرائيلي والفارسي الثالث، فكيف ولماذا ؟ يتبع.
26-5-2021