تلقيت خلال الاسبوع الاخير اكثر من 173 رسالة ممن اعرفهم واخرين لم اسمع بهم، وكلها ايجابية ولن استخدم غير هذا الوصف،اشكرهم كل الشكر وانا ممتن لمبادرتهم الاخلاقية الراقية ،وبناء عليه كتبت هذا النص الادبي ردا على رسائلهم الكريمة .
قالت لي نسمات هواء تتأرجح بين مأقي العيون: اين انت؟ صمت، لم ارد ،اخفيت العين بغلالة من الشوق لبغداد، ورحت انشد بصمت الاولين،انبش اكوام الماضي بأبرة اهدتني اياها السماء في يوم ما قبل قرون، ابحث عن وجه غاب واخذ معه تلاوين الغد، وترك لي لغزا لا يفكه الا شهيد ، تراكضت عيني اليسرى وحدها بحثا عن مكمن الشهيد، يمناي تصارعها تبعد حد السيف المسلط على بؤبؤها ، تنفلت كلا العينين من عقال وعيي وتسرحان في غد جديد ليس فيه نفاق الوجوه الضاحكة الحاملة معها كل اختناقات كورونا، اراه متسلقا جبل (يوم) احد،ركضت خلفه، توسعت شرايين قدمي اليمنى، توقفت عن الجري صرخت: ايها الرفيق انتظرني فأنا ات اليك، معا نجتاز الجبل وننحدر معا للغد ، ايها الرفيق لاتدع هامتك تنتصب وحدها ، فالريح عاتية والغيوم تحمل في رحمها اجنات الموت لنا، والنار تعصف، تصرصر، تنخر، وهي اتية، انتظرني لاتتمادى في اختراق المجهول وحدك، استر عافيتك بغطاء شقيقك المنتظر وصولك .
قالت لي فراشة اتت من اللا شيء نبتت فجأة بين اغطية الروح: ايها الرفيق ماذا تنتظر؟ عمري ساعات وانا اعرف انك تعشقني وتبحث عني كلما ولدت مجددا، فلم تنتظر ؟ هيا طر معي للغد ، فالانتظار يغرس قدميك في قوالب اسمنت ، والنهار قصير ، وعمري لحظة بهجة عابرة، ابتسامتي المتماوهة مع تقاطيع وجهك حزمة نور يتدفق من مجهول اعرفه، هيا الى الغد ، لننشد معا ما كنت تنشده قبل عقود ، ولنزرع الامل في القلوب التي تكلست برمل قذفته سماء لم تكن موجودة لفظها من باطن الارض ، انتفض، بدد الصمت، صبرت كثيرا وانتظرت اكثر ولكن حان وقت دق اجراس الكنائس ورفع الاذان الجوامع وجلب كل العصافير المحتضرة من الجوع الى الصوامع !
قال لي سيفي وهو ينام في غمده منذسنين: ماذا تنتظر لقد سأمت الاستكانة في غمد مظلم ، صدأت ، خسرت صوتي وتبددت قعقعتي، انقذني من فناء الصدأ، اشهرني الان وليس غدا ، انا اموت ببطء، انقذني، اشنق معاناتي ، دعني اصرخ في ساحات الوغى كما كنت طوال امساك خالد بن الوليد بي ، كن وفيا لخالد ، فما سلمك سيفه الا لانه كان مؤمنا انك تعرف كيف تمتشقه وتثأر به ثم كيف تغرسه في قلب العدو القابع في مجاهيل الظلام، العدو يقضمنا تدريجيا يأكل من جرفنا ، وهو لا يستطيع المواجهة لكنه يتقن خباثة التلون والتظاهر بلون غير لونه ، انهض، امتشقني الان وليس غدا .
قال لي صدام وهو يزورني كما تعود كلما هطل ظلام وكلل ظلم انفاس الناس وكاد يخنقهم ، فيقفز صدام قبالتي وينبع من دخيلتي ويحط فوق هامتي،قال لي صدام : هيا يارفيق، حان وقت الحصاد،الزرع ارتفع متفاخرا بقامته السامقة، والشمس بهية تغني فرحا بنورها الذي لايضاهى، والنسيم مفعم بالزهو الذي يصنع المعجزات، اقطف الزرع قبل تيبسه،انهض،لاتنتظر، فاللحظة التاريخية الان ، والزمن قاس ولا ينتظر، القدرة هي اختيار الزمن المناسب للصلاة كي تصل الى الله ،فلا قيمة للصلاة ما لم تصل الى الله، وهي لاتصل الا اذ كنت متطهرا من اثام التردد، انهض يا رفيقي فلم ازرك بقدر لحظات الضرورة الا لانني اعرف انك رفيقي منذ عقود ،ورفيقي هو المشروع وهو ارداة صنعه، اقدم، اشهر سيفك، لا تتردد في انقاذ مشروعي ، اكمل ما بدأته انا فما لم تتواصل ارادات اذرعنا الصلبة وهي تحمل معاول البناء والبنادق معا ،فالبناء كله سينهار، انهض بأداتيك وادي صلاة فجر اليوم، لاتنتظر، ففجر الخير والامل يأتي مرة واحدة كل فسحة زمن ،وقد ولا يتكرر الا بعد زمن يخنق الفقراء بزمنه الممتد.