شهد الأسبوع الأخير عمليات بيع هائلة للسندات عبر الأطلسي، وفي أنحاء أخرى من العالم بدرجة أقل، مع ارتفاع العائد على سندات الدين السيادية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة لأسباب متباينة، ومعروف أنه مع ارتفاع نسبة العائد على السندات يهبط بسعرها.
وبنهاية الأسبوع يوم الجمعة، وصل العائد على سندات الخزينة الأميركية لمدة 10 سنوات إلى 2.85 في المئة من 2.4 مطلع العام، وهو أعلى نسبة عائد منذ مطلع 2014. بينما ارتفع العائد على السندات الألمانية السيادية لمدة 10 سنوات إلى 0.7 في المئة من نسبة 0.43 في المئة.
ويرى الخبراء والمحللون أن عمليات البيع المستمرة في سوق السندات في الأسبوعين الأخيرين تعود إلى ارتفاع الكلفة الحقيقية للاقتراض، لكن الأسباب تتباين بين أوروبا والولايات المتحدة.
ففي أميركا يتحسب المستثمرون لارتفاع معدلات التضخم في الاقتصاد الأميركي لذلك يلجؤون للتخلص من محافظهم من سندات الدين، أما في أوروبا فسبب البيع هو توقعات النمو الجيد للاقتصاد في دول الاتحاد الأوروبي.
فقاعة الدين
ومنذ نحو عامين، يحذر المحللون الاقتصاديون من انتفاخ مطرد لفقاعة سوق السندات وخروجها عن السيطرة، خاصة مع اتجاه البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسية إلى الحد من، أو الإيقاف التام، لسياسة ضخ الأموال الميسرة في الاقتصاد عبر ما يسمى “التيسير الكمي”.
ولأن النظام المالي العالمي لم يعالج بشكل جذري أسباب الأزمة المالية السابقة قبل عشر سنوات تظل تلك العوامل تغذي الاقتصاد العالمي بالمخاطر.
ويزيد حجم سوق السندات (السيادية وللشركات) عن 100 تريليون حسب آخر تقدير في 2016، تشكل سندات الدين الحكومي (السيادية) النسبة الأكبر منها. ويصل نصيب الاقتصاد الأميركي وحده من سوق السندات العالمي إلى نحو الثلث تقريبا.
ورغم التقلبات ما بين أسواق الأسهم والعملات واستثمارات الملاذ الآمن كالذهب وغيره وبين سوق السندات، إلا أن نسبة النمو في سوق السندات مستمرة سنويا منذ أزمة 2009 المالية العالمية.
ومع أن السندات تعد استثمارا مضمونا طويل الأجل، مقارنة بالأسهم وسوق العقود المستقبلية قصيرة الأجل، لكن استمرار انتفاخ الفقاعة ينذر بانفجارها وانهيار السوق نتيجة أي خلل اقتصادي غير متوقع. وفي تلك الحالة تفقد السندات القدر الأكبر من قيمتها.
عوامل غير أكيدة
ويرى بعض المحللين أن عمليات البيع الهائلة في سوق السندات ربما تمتص بعض الغليان من السوق وتقلل من خطورة فقاعة الدين العالمي، لكن العوامل التي يبني عليها المستثمرون قراراتهم بشراء أو بيع السندات ليست أكيدة على المدى المتوسط والبعيد.
فاحتمالات النمو القوي في الاقتصاد الأوروبي مرهونة باعتبارات جيوسياسية وقرارات اقتصادية مرتبطة بها ليست بالضرورة إيجابية.
ولا يتوقع أن يصل النمو في أوروبا إلى حتى نصف نسبة نمو الاقتصاد الصيني الحالية، رغم توقعات المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي بنسبة نمو في المتوسط ما بين 2 و3 في المئة.
أما المخاوف من ارتفاع في معدل التضخم في الولايات المتحدة فمرتبطة أساسا بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاقتصادية، وأهمها خفض الضرائب والانفاق على مشروعات البنية التحتية.
وها نحن قد شهدنا كيف أن الاعفاءات الضريبية لم تحقق ذلك الحافز الهائل للطبقات المتوسطة والأقل من المتوسط لزيادة الانفاق الاستهلاكي بشكل كبير.
يبقى احتمال موافقة الكونغرس على تمويل خطط البنية التحتية لإدارة ترامب بما يزيد عن 1.5 تريليون دولار.
والأرجح أنه حتى في حال الموافقة على الخطة أن يتحول المستثمرون من سندات الدين الحكومية إلى سندات دين الشركات، خاصة تلك الإنشائية والخدمية التي تعمل في مجال البنية التحتية.
وهكذا فالتصحيح في سوق السندات في الأسبوعين الأخيرين يبدو مؤقتا تماما، ولم يخفف كثيرا من درجة غليان السوق واستمرار نفخ فقاعة الدين.