أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / الجدار العازل – التمييز في هولندا من خلال عينيّ .. د.عاطف حمدي

الجدار العازل – التمييز في هولندا من خلال عينيّ .. د.عاطف حمدي

ماجستير في العلوم السياسية والإدارة الحكومية
تفخر هولندا بتسامحها. بإنفتاحها. بالمساواة بين مواطنيها
لكن وراء هذا التصور والتباهي تكمن حقيقة أخرى.
حقيقة عشتها على مدار 35 عامًا.
كل يوم.
كمواطن. كأكاديمي. كإنسان ذو خلفية مهاجرة رفض العيش في المجتمعات الموازية.
نحب في هذا البلد الحديث عن العنصرية والتمييز بتعبيرات رنانة تتميز في أغلب الأحيان بالعمومية.
نقول: الجميع مرحب به.
لكن في الشوارع، في أماكن العمل، في المدارس، لدى المؤسسات الحكومية،
الإقصاء ليس استثناءً. إنه القاعدة.
أنا حاصل على تعليم عالٍ. في مصر وهولندا
أتحدث أربع لغات.
كتبت تقارير، ألقيت محاضرات، عملت لدى معاهد بحثية ومؤسسات شبه حكومية.
ولكن كان عليَّ دائمًا أن أكسب الثقة وأثبت نفسي من جديد.
وكأن وجودي ذاته وكينونتي محل شك.
“من أين أتيت؟”
السؤال يبدو بريئًا.
لكنه لم يكن أبدا فضولًا. إنه ريبة.
النظرات تقول أكثر من الكلمات.
وكأنهم يتساءلون: ماذا تفعل هنا؟ هل تنتمي حقًا إلى هذا المكان؟
أبذل دائما قصاري جهدي. أستثمر في التواصل. أروي قصتي. أشرح نفسي
لكن كلما تحدثت أكثر وأعلمت، زاد البعد بيننا.
خمسة عشر عامًا من الثقة، ولحظة واحدة من الشك
أسكن في نفس الشارع منذ 25 عامًا.
زوجان من الجيران يأتمناني على منزلهما أثناء العطل.
أفتح الستائر. أسقي النباتات. أجمع الصحف من صندوق البريد
لمدة خمسة عشر عامًا. بلا حادث واحد.
حتى ذلك اليوم.
أغلقت باب منزلهم للتو.
أحد الجيران، الذي نادرًا ما يحييني، مر بجواري.
نظر إليّ. ثم استدار وعاد.
سألني بلهجة تهديدية: “ماذا تفعل هنا؟”
لم أقل شيئًا. نظرت إليه.
إقترب أكثر. تفحص يديّ.
وكأنني لص.
أنا أسكن هنا منذ 25 عامًا. كنت عضوًا في المجلس البلدي. أنا أكاديمي. أنا الأستاذ في الدبلوماسية والعنف السياسي كنت في عينيه الآخر, المشبوه. قلت له: “إتصل بالشرطة, إن أردت”.
خوفه كشف كل شيء. ليس عني. بل عنه.
رفض اعتمادي كمترجم محلف
بعد دراستي للعلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أمستردام، نصحتني صديقة بالتسجيل كمترجم محلف لدى محكمة أمستردام.
اتصلت بهم. شرحت مؤهلاتي. العربية. الهولندية. والإنجليزية.
شهادات جامعية. خبرة لسنوات طويلة.
السيدة على الهاتف كانت مقتضبة. أجابت بكل إستعلاء وحسد:
“ليس بهذه السهولة”
حاولت التوضيح. قدمت لها أمثلة. قارنت حالتي بصديقتي الهولندية.
غضبت. أغلقت الخط. إتصلت مجددًا. أغلقت الخط مرة أخرى.
كان لي الحق في الاعتماد.
لكنهم أحبطوني.
أغلقوا الباب.
ليس فقط في وجهي، بل أمام القيمة التي كان يمكنني أن أضيفها.
طفل مستبعد من الفريق
لعب إبني لمدة عامين في الفريق الثالث لناديه لكرة القدم.
ذكي، سريع، دقيق، وموهوب. دائمًا ما كان يُشاد به.
فجأة، نُقل إلى الفريق الرابع للنادي. عند سؤال المدرب أجاب:
“لا يوجد أي فرق”
لكنني شممت رائحة عدم الأمانة.
كشف التحقيق أن المدرب كان يريد منح الأفضلية لأبناء أصدقائه.
إبني وطفلان آخران كان عليهم إفساح المجال.
لمن؟ لأطفال بشر من نوعهم!
بعد احتجاج وتدخل أحد أعضاء مجلس الإدارة النزيهين،
جاءت الاعتذار، لكن ليس من المدرب، بل من النادي
لكن الضرر كان قد وقع بالفعل.
أين تكمن المشكلة؟
في واشنطن، أكسفورد، بروكسل – كنت مسموعًا.
محترمًا. بغض النظر عن أصلي.
في هولندا: شك، ريبة، حسد, تجاهل.
كيف لبلد يفتخر بتنوعه
أن يكون بهذا العمى تجاه نقاطه الرمادية؟
نداء
التمييز ليس سوء فهم. إنه سياسة أو غياب سياسة.
هو ليس مصادفة, بل نمط.
أنا لا أكتب هذا من أجل الإثارة
بل لأكشف الحقيقة.
ماذا يعني الإقصاء؟ كيف يحدث؟ ماذا يفعل؟
كيف يُعاش؟ وما الذي يُدمّره؟
إلى الضحايا أقول:
كونوا واعين. كونوا واضحين
اعرفوا حقوقكم. لا تستسلموا. افضحوا العنصرية والتمييز.
إلى الجناة أقول:
نراكم. نعلم طرقكم وأنماطكم.
زمن الصمت انتهى.
أخيرًا – هولندا، أنظري في المرآة
التمييز ليس قضية هامشية
إنه جرعة سم يومية.
يقوض الثقة.
يدمر الناس.
هولندا، حان الوقت.
للإعتراف. للعدالة. للعمل.
ليس غدًا. بل اليوم.
لأن المواطنة ليست منحة.
إنها حق.
عاطف حمدي
خبير في العلوم السياسية والسياسات العامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *