عيد الأم. يوما ربيعيا تملأه الزهور، الإفطار في السرير، وكلمات الشكر—لحظة من التقدير. ولكن هل هذا كافٍ؟ في هولندا، يدور الاحتفال بعيد الأم غالبًا حول التقدير الفردي—كارت معايدة، هدية، زيارة قصيرة—ثم تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي. ومع ذلك، فإن المجتمع الهولندي يقدّر الأمومة بطرق أخرى، من خلال سياسات إجازة الوالدين السخية والدعم العملي للعائلات. ومع ذلك، يظل الاحتفال بعيد الأم تجاريا سطحيًا وعابرًا في كثير من الأحيان.
في بلدان الشرق الأوسط يأخذ عيد الأم على النقيض من ذلك طابعًا مختلفًا تمامًا. فهو احتفال جماعي كبير.
في هذه الثقافات، لا يتم تكريم الأمهات فقط كوالدات، بل كركائز أساسية للمجتمع. ليس من خلال الإيماءات التجارية داخل المجتمع الإستهلاكي، ولكن عبر الموسيقى، والشعر، والامتنان المجتمعي العميق للأمومة والأمهات. .
بعد 35 عامًا في هولندا، أصبحت أعرف عالمين مختلفين. هنا، تُعتبرإحتفاليات الأمومة شأنًا خاصًا في كثير من الأحيان، بينما في الشرق، تُرى كمسؤولية مجتمعية. ولكن ماذا لو استطعنا الجمع بين هذين العالمين؟ كيف يمكننا دمج البراغماتية الهولندية مع القيم الدافئة والمجتمعية للشرق؟
ثلاث أغانٍ توضح هذا التباين بطريقة مؤثرة:
1- “أحن قلب في الدنيا قلبك يا أمي” – محمد فوزي
أغنية مليئة بالعواطف. يشبه الفنان أمه بالصخرة الثابتة وأساس الأسرة وذلك تجسيدٌا للحب غير المشروط، والدعم في الأوقات الصعبة. الموسيقى تستحضر ذكريات الأيدي الدافئة، والنظرات الحانية، والتضحيات وبذل الذات.
الأمومة ليست مجرد مهمة او نزعة بيولوجية. إنها روح المجتمع.
2- “ست الحبايب” – فايزة أحمد
الأم ملكة بلا تاج، بقلبٍ أوسع من العالم. تحتفي هذه الأغنية بالأم كأعظم حب في حياة أبنائها. إنها تمجّد تضحيات الأمهات وصبرهن اللامحدود. في الشرق، لا تُرى الأم فقط كمصدر للحياة، بل كحاملة للأحلام، والأمل، والهوية. في عالم مليء بالتغيرات، يبقى حب الأم ثابتًا لا يتغير
3- “مهما خدتني المدن دايما صورتك في قلبي، دليلي في المدن” – عماد عبد الحليم
بالنسبة للمهاجرين داخل او خارج الوطن، يأخذ حب الأم بُعدًا إضافيًا. هذه الأغنية تتحدث عن ألم الفراق، عن أمٍ بعيدة ولكنها لا تفارق القلب أبدًا. يبقى صوتها حيًا في الذكريات، وتظل حكمتها دليلاً ضروريًا في العوالم غير المألوفة.
الأم ليست مجرد شخص. إنها وطن، بوصلة، وقوة خفية ترافقنا دائمًا.
هذه الأغاني تقدم تكريمًا عميقًا وخالدًا للأمومة. بينما يحتضن الشرق الأم بكل كلمة ونغمة وإيماءة، يبقى عيد الأم الهولندي في كثير من الأحيان سريعًا، عابرًا، وتجاريًا. نفتقد هنا الاحتفال الجماعي، وروح المجتمع. تخيّل عيد أم هولنديًا يشمل، بالإضافة إلى الإيماءات الشخصية، احتفالات وفعاليات جماعية في الأحياء، وسهرات نسرد فيها الحكايات ويتواصل خلالها الأجيال. يومًا نمزج فيه بين قوتنا العملية والقيم المجتمعية الدافئة.
وسط هذه التأملات، أستحضر في قلبي ذكرى والدتي العزيزة، وذكرى العديد من أمهات أصدقائي وقرّائي اللواتي رحلن عن عالمنا! كنّ القوة الصامتة، والدعم الذي لا يُعوَّض في حياتنا. رحمهن الله وأسكنهن فسيح جناته!
حان وقت إعادة التقدير
يجب أن يكون عيد الأم أكثر من مجرد لحظة استهلاكية—باقة من الزهور أو هدية عابرة. تستحق الأمومة تقديرًا يتجاوز نطاق الحياة الخاصة؛ يجب أن نحتفى بها اجتماعيًا بطريقة أعمق. تخيل عيد أم هولنديًا أقل فردية وتجارية، وأكثر تركيزًا على مشاركة القصص وتعزيز الروابط المجتمعية. والفعاليات الجماعية، والمبادرات التي تجمع بين القيم الهولندية العريقة والتقاليد الجماعية الدافئة في الشرق.
دعونا نحول عيد الأم إلى جسر لا تُتبادل فيه الزهور فقط، بل الأهم من ذلك، تُروى فيه القصص. لنتحاور معًا كيف يمكننا الجمع بين البراغماتية الهولندية وروح المجتمع والفرح في الشرق؟
لقد قال جبران خليل جبران ذات مرة: ” الأم هي كل شيء—هي شعاع الأمل في الحزن، والقوة في الضعف، والمصدر الدائم للحب والرحمة. هذه الحكمة تستحق أن تُعاش جماعيًا، لا أن تبقى مجرد شعور فردي. لأن الأمهات لا يحملن أطفالهن فقط؛ بل يحملن العالم بأسره”
عاطف حمدي، ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية