في تطور لافت للنظر اغلقت امريكا قواعدها العسكرية في قطر ونقلتها الى الاردن(الوكالات يوم 3-7-2021) وقد اثار ذلك مجموعة من الاسئلة المهمة سنحاول الاجابة عليها بعد عرض بعض التحليلات الامريكية، يقول محللون امريكيون إن “هذه الخطوة تجعل واشنطن في وضع أفضل للتعامل مع تهديدات طهران- بالصواريخ والمسيرات-وتعكس الأولويات المتغيرة للجيش الأمريكي بالمنطقة”. وإن “إغلاق القواعد في قطر ونقل المهمة إلى الأردن يعزز قبضة واشنطن على مقتربات طهران ” هل التقييمات الامريكية صحيحة؟ان تحقيق فهم اقرب الى الحقيقة مشروط بالربط بين تطورات متزامنة مع الحدث المذكور منها بدأ واشنطن في خفض وجودها العسكري فسحبت 8 بطاريات مضادة للصواريخ من السعودية والعراق والكويت والأردن.
في ضوء ذلك كله ما النتائج المترتبة على هذه التطورات غير العادية؟
1- ان قرار نقل القوات الامريكية الى الاردن تاكيد شديد الوضوح على ان الطبيعة الجيوبولتيكية للصراع الاقليمي والدولي قد تبدلت وليس فقط الطبيعة الستراتيجية له، فالجغرافية زادت قيمتها بقوة في السنوات الاخيرة ، وظهر التقاطع الجيوبولتيكي الاكثر اهميه والذي يقع في العراق، فالصين وهي تتعاظم قوة وتوسعا بهدف الوصول الى الغرب وفرض زعامتها على العالم، لابد ان تمر برا عبر العراق فبعد عبور الصين من باكستان والوصول الى اسرائيل الشرقية لابد من اختيار العراق طريقا بريا للوصول الى سوريا ثم الى اوروبا عبر البحر الابيض المتوسط ودوله. اما الطريق البحري من الصين الى بحر العرب فلا بد ان يمر بالخليج العربي ثم العراق ومن بره الى سوريا، بذلك يتضح ان عقدة المواصلات الاخطر في هذا الصراع الدولي هي العراق وموقعه.ويمكن استنادا لهذه الملاحظة تفسير السبب الجوهري لاغلاق القواعد في قطر وجعل الاردن هو القاعدة البديلة للسيطرة على مخارج الصين الى العالم لان الاردن مجاور للعراق.
2-ما يقال عن ان الاردن ابعد من العراق عن اسرائيل الشرقية ونقل القوات اليها يضعف امكانيه الضغط الايراني على القوات الامريكيه، فهو تفسير اما ساذج او انه مصمم للتمويه فليس اسهل من رؤية ان طهران تمتلك الان صواريخ تصل الى ابعد من الاردن بكثير وهذه الحقيقة وحدها تسقط فرضية اضعاف قدرة طهران على الضغط على القوات الامريكية ، كما ان قدرات الردع الامريكية لطهران لاحدود لها لانها تستطيع من الاراضي الامريكية الحاق خراب شامل بكل اسرائيل الشرقية. وهنا نلاحظ الاصرار الدعائي الامريكي على منح حكام طهران نقطة تعزز ادعائهم انهم في حالة توازن رعب مع امريكا!
3-وما يؤكد ما سبق هو ان سحب القوات شمل افغانستان وهو ما ادى عمليا الى السماح لطالبان بالسيطره على مناطق واسعه من افغانستان وعلى الارجح فان امريكا لاتريد لطالبان ان تسيطر على كل افغانستان بل على اجزاء او جزء منها، وبذلك تبقي افغانستان مسرحا مفتوحا لكافة الاحتمالات دون انغماس فيها يستنزفها لكنه يبقي لها اصابع تحركها هناك لتحقيق مكاسب رئيسة على حساب الصين لقربها منها ومكاسب اقل اهمية على اسرائيل الشرقية لمجاورتها لها، فالامر معقد في الوظيفة وليس بسيطا ، وهو في المقام الاول جزء من الادارة العقلانية للعبة الصراع الاقليمي والدولي. ولا يمكن اهمال مغزى ذلك فهي رسالة للصين تؤكد بان امريكا تحيط بها من كل الجهات بما في ذلك غربها وهي افغانستان ، مثلما ان دخول قوات طالبان مناطق تسيطر عليها ميليشيات موالية لطهران، فيه رسالة واضحة للنظام الايراني تقول بان جبهة عض الاصابع الجديدة معه ستكون افغانستان، وبسرعة فهم نظام الملالي الرسالة واحتاط لها بسحب الاف الافراد من ميليشياته في سوريا والعراق وارسلها الى الحدود الافغانية، والهدف الامريكي المباشر هو مضاعفة الضغوط الامريكيه على النظام الايراني كي يقبل بالشروط الامريكيه للتطبيع معه بسرعة كي تنظم صلة اسرائيل الشرقية بصورة دقيقة بالقوى الاقليمية المرشحة لقطع طريق الحرير الصيني.
4-بتعزيز قدراتها الاقليمية المرهونة بالسيطرة على كل من العراق واسرائيل الشرقية وبتحسين علاقات واشنطن مع انقرة وهو ما اخذ يظهر في رئاسة جو بايدن ، تريد امريكا تحقيق ضمانة بان معركتها مع الصين ستتركز اولا على خنق الصين جيوبولتيكيا دون الانزلاق لحرب عسكرية لن تكون الا كارثة تمحو الجنس البشري كله، وهذا الهدف هو الذي يفسر ايضا سبب اصرار امريكا على البقاء في سوريا بقوات رمزية لان المعبر السوري لطريق الحرير الزامي وفي حالة سيطرة امريكا على بداية المعبر من اسرائيل الشرقية ومن منتصفه في العراق وصولا الى نهاية المعبر وهو سوريا فانها تضمن تمتعها بموقف مريح ستراتيجيا ويضع الصين امام مأزق خانق.
5-ما الذي يتطلبه ذلك ؟ ان وجود قوات امريكية رمزية في العراق وبحجم ستراتيجي في الاردن هو استعداد لتعاظم الصراع الامريكي الصيني ، فتغيير مكان القوات اذا ليس هدفه الرئيس الضغط على نظام الملالي بل خنق الصين ومنعها من العبور الى الغرب الاوربي.
6-لكن ثمة تكمله ضرورية وهي اخضاع الميليشيات الايرانيه في العراق وسوريا ولبنان واليمن غيرها للمخابرات الامريكية والسيطرة عليها وعدم الاكتفاء باختراقها عرضا وطولا كما هو الحال الان، فهي خطوة على طريق تحقيق التمكن من حشد قوات شبه نظامية تحت امرتها تتحكم فيها في الوطن العربي شرقا وغربا ، ظاهرها انها تابعة لطهران لكن واقعها هي انها مخترقة امريكيا ومنذ سنوات واكمل لاحقا وتلك عملية تمويهية لابعاد مسؤولية امريكا عن اعمال تلك الميليشيات وتحميل طهران عواقب نتائجها ، وهي ضرورة سوف تستخدم لاحقا لتبرير سحق تلك الميليشيات بعد ان تكمل دورها المرسوم وهو التدمير الشامل للاقطار العربية ومحو هويتها العربية وفرض واقع سكاني وسياسي هجين يصلح كبنية تحتية لتأسيس مناطق حرة للتجارة بعيدة عن الصراعات الهوياتية المتحدمة منذعقود .
7-ولان امريكا مازالت تواصل تمزيق العراق وسوريا واليمن وليبيا –بدليل منع الحلول السلمية – فانها ستبقي طهران وميليشياتها فاعلة وتخيرها بين التصفية الدموية لها او القبول بالشروط الامريكية وهو ما اخذ يظهر واضحا في صفوف الاحزاب والميليشيات التابعة لطهران مثل حزب الدعوة واحزاب عمار ومقتدى وغيرهما والذين تصاعدت محاولاتهم تعزيز صلاتهم بالامريكيين.ويبقى الهدف الامريكي الثابت والاكيد هو التسريع بتقسيم العراق ومن المؤشرات التي تؤكد ذلك هو اعادة طرح موضوع الاقليم السني في الانبار وغيرها وفكرة هذا الاقليم التي يروج لها تحت غطاء حماية السنة ليست الا الخطوة الاساسية المطلوبة لتقسيم العراق، والضغط الطائفي الدموي على الانبار وصلاح الدين ونينوى يكمل الضغط على وسط وجنوب العراق المعتمد على زيادة البؤس والشقاء مثل القطع المتعمد للتيار الكهربائي في اشد الفترات حراره، وكل هذه الضغوطات على الجنوب والوسط هدفها اقناع الناس بان انهاء معاناتهم رهن بالموافقة على الفدرالية وامرار التقسيم التدريجي تحت غطاءها.
9-المفاوضات حول المشروع النووي الايراني تلقي المزيد من الاضواء على ما سبق فهناك شبه اتفاق امريكي ايراني مدعوم من اوروبا ومن روسيا والصين كذلك على العوده للاتفاق النووي مع اجراء تعديلات تبدو وكانها استجابه لطلب الطرفين الامريكي والايراني، و عندما يتم ذلك تعزز قوة طهران باطلاق الاموال المجمدة وتخفيف الضغوط وربما رفعها كلها وهو ما يمهد الطريق كاملا لوقوف ايران بهذه الطريقه او تلك مع امريكا وضد الصين.